
1- الداجدا وقيثارته:
أسطورتنا الأولى من أيرلندا وبتحكي عن الكائن الأسطوري الداجدا The Dagda. داجدا كان كائن صاحب قوى خارقة – وأحيانًا كان بيتشاف كإله – وكانت أهم قوة خارقة عنده تتمثل في العزف على قيثارته!
قيثارة داجدا مكانتش أي قيثارة.. لما كان بيعزف عليها كان بيقدر يغير مشاعر اللي حواليه من حزن لفرح ومن فرح لحزن، القيثارة كانت قادرة على خلق أي حالة شعورية في وجدان سامعيها، ده غير أن داجدا لما بيعزف عليها بشكل معين بيقدر يغير فصول السنة كمان. المهم في يوم أعداء داجدا سرقوا منه القيثارة ورجعوا بيه المملكة بتاعتهم معتقدين أنهم كده استولوا على أهم سلاح وبالتالي ضمنوا الانتصار. بس داجدا لما أدرك فقدان قيثارته، جمع أصحابه الآلهة وقعدوا يدوروا على القيثارة لحد ما وصلوا لمملكة الأعداء.. وهناك كان فيه مشكلة، إزاي داجدا هيتخطى الجنود دي كلها ويلاقي القيثارة بتاعته ويوصل لها؟
اللي حصل أن القيثارة أول ما حست بوجود صاحبها طارت إليه وارتمت بين ذراعيه، ساعتها طبعًا الجنود انتبهوا، وهجموا على داجدا علشان يموتوه، بس داجدا بسرعة لامس أوتار القيثارة وعزف عليها لحن خلى الجنود مش ماسكين نفسهم من الضحك وبالتالي اسقطوا أسلحتهم. أول ما داجدا توقف عن العزف، ولسه الجنود هيفوقوا لنفسهم راح داجدا عزف تاني وخلاهم يبكوا وينتحبوا بلا سبب، ولما توقف عن العزف والجنود بدأوا يرجعوا لوعيهم، داجدا عزف على قيثارته للمرة الثالثة وأرسل كل سكان المملكة لسابع نومة.. وأخد بعضه وقيثارته ورحل.
القصة بتدي درس مهم عن أن القدرة على التحكم في مشاعر الآخرين أعظم وأقوى تأثيرًا من كل الأسلحة القتالية، وأن من يمتلك مشاعرك – أيا كانت المشاعر دي، حب أو كره أو غبطة، إلخ – أخطر بكثير ممن يمتلك جسدك. متأكدة أن كل واحد في حياته داجدا قادر على تغيير مشاعره ١٨٠ درجة بحركة بسيطة من أنامله بيشوفها الناس من برة على أنها لحن عذب لا أذى منه.
والسؤال هنا هل نقدر نفصل الداجدا عن قيثارته؟ ولو قدرنا هل هننجح في تجنب تأثير موسيقى الداجدا ولا مصيرنا هيكون زي مصير أعدائه في القصة؟
.
.

2- أودين والبحث عن الحكمة:
في عالم الأساطير النوردية، أودين Odin، كبير الآلهة، اضطر يضحي بعينه وينتزعها بنفسه من رأسه علشان يشرب من بئر الحكمة “أورد” ويبقى عنده بعض من الحكمة الكونية..
الموقف ده المفروض يزرع في الإنسان التواضع وروح السعي للمعرفة. تخيل لما يبقى إله زي أودين مابيبطلش سعي للحصول على الحكمة وكمان بيضحي بنفسه علشان يوصل لها في حين أن الكثير من بني الإنسان بيدعوا امتلاك الحكمة الكونية كاملة والروئية الصائبة المطلقة للأمور وهم قاعدين على كنبة بيتهم!
وفقدان أودين لعينه تحديدًا مهم وكأنه علشان يحصل على البصيرة الحقيقية كان لازم يضحي بما تراه العين من أشكال وصور خادعة.. درس آخر في ضرورة عدم الأخذ بظاهر الأشياء والتأكيد على أن السعي للمعرفة والوصول للحكمة نشاط روحي وليس مادي. الإنسان دلوقتي معندوش استعداد يضحي بكيس شيبسي حتى علشان يفهم حاجة أو حد صح، مش يضحي بعينه.
.
.

3- أسطورة درب التبانة:
مجرة درب التبانة اللي بيقع فيها كوكبنا المنكوب لها قصة نشأة لطيفة في الأساطير الإغريقية..
لو تفتكروا حكينا قبل كده أن كبير الآلهة زيوس Zeus عجبته المرأة البشرية ألكميني Alcmene زوجة الملك ونام معاها – كعادته يعني – ونتيجة لذلك خلفت منه هرقل Heracles. بعد ولادة هرقل مباشرة، زيوس ماكفهوش أن ابنه هيكون نصف إله.. فأخد هرقل الرضيع وطلع بيه جبل الأوليمب ووضعه على صدر زوجته الربّة هيرا Hera وهي نايمة علشان يرضع من ثديها لبن إلهي ويكتسب قوى خارقة أخرق من القوى اللي عنده أصلاً. شوفوا الجبروت! يعني ماكفهوش أنه كان مقضيها مع نساء البشر من ورا هيرا، لأ كمان جايب لها طفل من أطفال نزواته علشان ترضعه وهي نايمة ومش حاسة بحاجة.
طبعًا أول ما هيرا فاقت ولقت طفل غريب بيرضع منها راحت انتزعته من صدرها وحدفته بعيد، واللبن اللي خرج من ثديها تحول إلى النجوم والكواكب المكونة لمجرتنا واللي بتظهر من على كوكب الأرض في هيئة درب أو خيط من الضوء الأبيض الساطع ومن هنا سُميت المجرة بالدرب اللبني The Milky Way.
محدش يقدر يلوم هيرا على اللي عملته أكيد بس برضه فكرة انتزاع الطفل وهو بيرضع دي حزينة شوية خصوصًا أن هيرا كانت ربّة الأمومة، يعني المفروض أنها نبع الحنان لكل الأطفال، وحرمان هرقل – اللي ملهوش أي ذنب – من لبنها إشارة لحرمانه من الحب في المطلق. وللأسف ده اللي حصل لهرقل فعلاً لما كبر، وبالرغم من أنه أصبح بطل الأبطال بس حياته الشخصية كانت بائسة وكان دائمًا بينتهي بيه الأمر بتدمير الناس اللي بيحبها بدون قصد، أو هم اللي بيدمروه زي ما حصل في نهاية حياته (اتكلمنا بالتفصيل قبل كده عن علاقة هرقل المعقدة بهيرا كرمز للأم وتأثيرها عليه).
اللي يهمنا في موضوع النهاردة أن هرقل اتحرم من لبن/حب هيرا، بس الحب ده ما أُهدرش واتحول لمجرة كاملة بديعة تزين السماء لهرقل وللبشرية كلها من بعده. وهنا نحس الأسطورة فيها لمسة شاعرية بتقول لنا إن الحرمان والفقد مش شرط يولدوا قبح ومعاناة.. وده فكرني شوية بكلام بعض الفنانين والكتاب عن أملهم في تحويل شعورهم بالفقد والحرمان لشيء جميل يسمو بمعاناتهم وبمعاناة البشرية ككل من خلال فنهم وكتاباتهم. أكيد هما ومعاناتهم هيجي اليوم ويزولوا، بس اللي هيفضل موجود هو درب النور اللي بيسيبوه وراهم.
هرقل في النهاية بيموت وبتنتهي حياته المليئة بالصعاب والحرمان ولكنه بيصعد لجبل الأوليمب ليصبح واحد من الآلهة ونجمة ساطعة في خيال البشرية على مر العصور.
