النهاردة هنحكي قصة لطيفة، بس حزينة شوية، من البرازيل اسمها “لهذا يئن البحر” وبتحكي عن أميرة صغيرة اسمها دايونيسيا عايشة في قصر طويل عريض مع والدها الملك، وبطبيعة الحال وبالرغم من حياتها الرغدة، دايونيسيا بتعاني من الوحدة وبتتمنى أن يكون عندها أصدقاء تلعب معاهم زي أي طفلة في سنها.

في يوم، دايونيسيا الصغيرة بتروح تقعد على الشط وبتبكي حالها. وفجأة الأميرة بتسمع صوت جاي من البحر بينادي باسمها “دااايونيسييييا”.. دايونيسيا بتستغرب طبعًا ودهشتها بتزيد لما بتشوف أفعى طالعة من البحر. الغريب في الموضوع أن دايونيسيا ماخافتش من الأفعى خالص وشافت في ملامحها رقة وحنان ماحستهمش مع حد تاني. الأفعى بتقول لدايونيسيا إن اسمها لابسمينا وإنها جاية تلعب معاها وتؤنس وحدتها بشرط أن محدش يعرف بوجودها. دايونيسيا بتفرح بوجود لابسمينا في حياتها وعلاقتهم بتتوطد بمرور الأيام وبقوا يقضوا مع بعض معظم الوقت.
بتمر الأعوام واليوم اللي أتمت فيه دايونيسيا عامها السادس عشر لابسمينا بتصدم دايونيسيا وبتقول لها إنها مش هتقدر تلعب وتقضي الوقت معاها تاني، بس لو احتاجت أي حاجة كل اللي مطلوب تعمله أنها تيجي على الشط وتنده على لابسمينا وهي هتظهر. دايونيسيا بتبكي على فراق صديقتها الوحيدة، وبما أن المصائب لا تأتي فُرادى، الملك كمان بيبلّغ دايونيسيا إن فيه ملك عجوز من مملكة مجاورة طلب يتزوجها وهو وافق. دايونيسيا بترفض ولكن والدها بيصر على الزواج فبتروح على الشط تندب حظها المهبب.
وفجأة دايونيسيا بتفتكر كلام لابسمينا وبتقوم على طول تنده عليها. لابسمينا بتطلع من البحر ودايونيسيا بتحكي لها على اللي حصل وبتطلب مساعدتها في الهروب من التدبيسة الكرب دي. لابسمينا بتقول لها “روحي للملك العجوز واطلبي منه يجيب لك فستان بلون الحقول وزهورها مقابل موافقتك على الزواج منه.” دايونيسيا بتعمل كده فعلاً والملك العجوز بيجيب أمهر الخياطين علشان يعملوا لدايونيسيا فستان بلون الحقول وزهورها. الملك العجوز بيهدي الفستان لدايونيسيا اللي بترجع للابسمينا تسألها تعمل إيه تاني. لابسمينا بتقول لها تطلب من الملك العجوز فستان ثاني بلون البحر وأسماكه، والملك بيعمل لها الفستان فعلاً. ثالث مرة دايونيسيا بتطلب فستان بلون السماء ونجومها، ولثالث مرة برضه الملك بيطيعها. بعد الحصول على الثلاثة فساتين، لابسمينا بتقول لدايونيسيا إن موضوع الفساتين ده كان خطة علشان تكسب وقت تقدر خلاله تبني لها مركب تهرب فيها، وقالت لها “هاتي الفساتين ويالا هوب على المركب وأنا هزقك لمملكة بعيدة محدش هيعرفك فيها.”

بعد أيام في المركب في عرض البحر، دايونيسيا بتوصل للمملكة البعيدة اللي بتحكمها ملكة وابنها الأمير. قبل ما يفترقوا للمرة الثانية، لابسمينا بتعترف لدايونيسيا وبتقول لها إنها أميرة زيها بس فيه ساحرة لعنتها ومن ساعتها وهي عايشة في البحر كأفعى وإن الوسيلة الوحيدة لفك اللعنة هي أن أميرة في أسعد لحظات حياتها تنده على لابسمينا ثلاث مرات، وقتها بس هترجع لصورتها البشرية الجميلة، لابسمينا بتقول لدايونيسيا إنها هتلاقي سعادتها في المملكة دي ولما ده يحصل ماتنساش تنده باسمها ثلاث مرات علشان اللعنة تتفك. دايونيسيا بتوعدها أنها هتعمل كده فعلاً وأنها استحالة تنسى صديقة عمرها.
المهم دايونيسيا بتخبي الفساتين وبتلاقي شغلانة في بلاط الملكة كخادمة بترعى الفراخ والبط والوز. وبعد مرور شهور بيجي الوقت اللي المملكة بتحتفل بيه بعيد ما كده والاحتفال ده بيستمر ثلاثة أيام. وعلى غرار سندريلا، في اليوم الأول دايونيسيا بتلبس فستانها اللي بلون الحقول وزهورها وبتروح ترقص وتهيص، وهناك – طبعًا – بيشوفها الأمير الوسيم اللي – طبعًا تاني – بيهيم بالفتاة الغريبة حبًا، بس للأسف بتمشي قبل ما يعرف هي مين. في اليوم الثاني دايونيسيا لبست فستانها اللي بلون البحر وأسماكه وراحت الاحتفال، ولثاني مرة الأمير بيحاول معاها وبرضه بيفشل أنه يحصل منها على أي معلومة قبل ما تفر هاربة. في اليوم الثالث دايونيسيا بتلبس فستانها اللي بلون السماء ونجومها وبتخلب الأنظار والعقول بجمالها. الأمير برضه بيفشل في معرفة هويتها ولكنه بينجح في إهدائها جوهرة ثمينة.
بعد انتهاء الاحتفال الأمير بيفقد الأمل في الوصول للفتاة الغريبة الفاتنة وبيرفض الأكل وصحته بتتدهور، ساعتها دايونيسيا بتطلب تعمل للأمير شوربة ترم عضمه كده مش هيقدر يقاومها. الأمير كان هيرمي الشوربة زي ما بيعمل مع كل الوجبات اللي اتقدمت له مؤخرًا لولا أنه لاحظ شيء لامع في قعر الطبق. الأمير بيكتشف الجوهرة في الشوربة وفورًا بيستدعي الخادمة اللي أعدت له الشوربة وبيكتشف أنها الفتاة الغريبة اللي هام بها حبًا.
الأمير ماضيعش وقت وبدأ في الإعداد لمراسم الزواج من دايونيسيا اللي بتحكي له قصتها كاملة. المهم في يوم الزواج، دايونيسيا بتغمرها السعادة كما لم تغمرها من قبل… وبتنسى تنده على صديقتها لابسمينا ثلاث مرات كما وعدتها.
يُقال إن لابسمينا كانت بتتفرج على مراسم الزواج من بعيد ولما اتكسر قلبها بنسيان دايونيسيا وعدها فضلت تبكي وتئن، وعلشان كده لحد دلوقتي اللي يقعد على الشط فترة طويلة بيحس أن صوت الأمواج بيتحول لأنين.. أنين لابسمينا المسكينة اللي فقدت صديقتها الوحيدة وفقدت الأمل في النجاة من لعنتها.

نهاية حزينة ولكن متوقعة من عنوان القصة.. الفكرة بقى هل نقدر نسامح دايونيسيا على نسيانها؟ الموضوع يعتمد على تفسيرنا لماهية لابسمينا والمغزى من وجودها في حياة دايونيسيا.
لابسمينا ظهرت لدايونيسيا وهي في مرحلة مبكرة من الطفولة ورفقتها كانت السبب في تحويل وحدة دايونيسيا لحب وسعادة، وأكيد مش صدفة أن لابسمينا بتقرر تبعد عن دايونيسيا لما بتنتقل من مرحلة الطفولة لمرحلة النضج. قد تكون لابسمينا صديقة مُتخيلة ابتدعتها دايونيسيا للتغلب على وحدتها، أو رمز لخيال الطفولة في المطلق. القصة بتعرّفنا على لابسمينا بأنها أفعى، اللي بمعايير الناضجين بتُعتبر كائن شرير وخطير ورمز للإغواء، لكن دايونيسيا ببراءتها وطفولتها بتشوف فيها الصدق والألفة، وده بيوضح اختلاف نظرتنا للخيال من مرحلة الطفولة لمرحلة النضج. من منظور الأطفال الخيال ضرورة وألفة، ولكن من منظور أغلب البالغين الخيال خطر لأنه بيغوينا للهروب من الواقع، وده اللي بيخلي البالغين يتخلوا عن خيالهم الطفولي أول ما ينضجوا.
دايونيسيا، كأغلب البالغين، بتنسى وجود لابسمينا وبتتخلى عن خيال الطفلة اللي جواها أول ما بتتزوج من الأمير، وده يخلينا نتساءل هل سعادة دايونيسيا كامرأة ناضجة يعتمد على فقدانها لخيالها الطفولي؟ زي ما قولنا قبل كده وجود لابسمينا (الخيال) في حياة دايونيسيا كان مسبب للسعادة في صور مختلفة: لابسمينا بددت وحدة دايونيسيا وأخرجتها من الاستسلام لزيجة كارثية وكانت السبب في امتلاكها الحقول بزهورها والبحار بأسماكها والسماء بنجومها (الفساتين الثلاث). هل رغبة دايونيسيا في الحصول على سعادة أكبر، اللي بتتمثل في الزواج من الأمير اللي بتحبه، تُعتبر طمع وبالتالي عُقبت بفقدان خيالها؟ ده معناه أن دايونيسيا تعمدت عدم النداء على لابسمينا، كإشارة للاعتراف بها، علشان الناس ماتفتكرهاش عيلة عبيطة وتبوظ حياتها بنفسها كامرأة ناضجة.
بس من وجهة نظري دايونيسيا مكانتش خايفة من الاعتراف بخيالها ولا كانت بتطمع في سعادة أكبر، هي كانت بتطمع بمشاركة خيالها وسعادتها مع شخص آخر حقيقي وده شيء طبيعي جدًا. وهنا بحس أن دايونيسيا مافقدتش لابسمينا بسبب زواجها من الأمير، إنما فقدتها لما قررت تشارك لابسمينا (خيالها) مع شخص آخر. فاكرين أول مرة لما لابسمينا ظهرت وقالت لدايونيسيا إنها هتبقى صاحبتها بشرط ماتحكيش لحد عنها؟ هنا مربط الفرس وهنا يقع السبب الحقيقي لفقدان دايونيسيا للابسمينا. وفي رأيي ده اللي بيخلي القصة في منتهى الحزن لأنها مش بس بتنتهي بفراق صديقتين ولكن بتحكم على أي شخص بالغ بخسارة خياله مقابل الرغبة في المشاركة، وكأن الثمن اللي لازم ندفعه مقابل مشاركة خيالنا هو فقدان الخيال ده.. كأن الخيال بيتنفس ويحيا فقط في عقل الحالم وبمجرد ما بيخرج الخيال ويصطدم بعقول أخرى وبيُشارك مع آخرين بيُشوّه أو يُنسى ويموت.
هل سعادة دايونيسيا مع الأمير تستحق أنها تتخلى عن خيالها؟ هل فقدان الخيال هو التنازل اللي لازم نقدمه مقابل تحقيق السعادة على أرض الواقع؟ الحكم متروك لكل قارئ، الأكيد في النهاية أن أي شخص فينا دفعته الحياة لنسيان لابسمينا الخاصة بيه هيفضل يسمع أنينها ويحس بيه طول ما هو عايش.
دمتم في سعادة وخيال.
