
سمعت قريب قصة لطيفة من الفولكلور الإغريقي بتحكي عن رجل بسيط كان حاسس طول الوقت أن حظه عاثر وأن الحياة مش عايزة تدي له أي فرصة للنجاح. فقرر يعمل إيه بقى؟
الراجل صحي في يوم من النوم وقرر يروح يقابل تايكي Tyche ربّة الحظ والفُرص علشان يعرف حكايتها إيه معاه بالظبط. وفعلاً انطلق الرجل في رحلته الطويلة ولكن واجهته أول عقبة: علشان يوصل للمكان اللي عايشة فيه تايكي لازم يعبر البحر وهو لا عنده مركب ولا يحتكم على عوامة حتى. فقعد يندب حظه على الشط لحد ما طلعت له سمكة تسأله بيعيط ليه.. فالراجل حكى للسمكة القصة والغرض من رحلته.
السمكة قعدت تفكر شوية وبعدين قالت له “طيب بص، أنا عندي ليك عرض حلو، إيه رأيك تركب على ضهري أوصلك للشط التاني وفي المقابل لما تقابل تايكي تقول لها تخلي الحظ يبتسم لي والألم اللي في جنبي ده يروح..” الراجل وافق طبعًا وقال للسمكة من عينيا.
الراجل وصل فعلاً الناحية التانية من البحر وهناك لقى نفسه في أرض غريبة والحراس بيجرجروه لقصر الملكة.. وكلاكيت تاني مرة، نفس السيناريو اللي حصل مع السمكة حصل مع الملكة اللي وعدت الرجل أنها تسمح له بالعبور الآمن مقابل أنه يخلي تايكي تحن عليها وعلى مملكتها اللي الحروب مبهدلاها.
الراجل ساب المملكة من هنا ولقى نفسه في مزرعة كبيرة من هنا، صاحبها رحب بيه وعرض عليه الأكل والشرب والمبيت مقابل أنه برضه يكلم تايكي عنه وعن أرضه البور اللي مفيش أي زرع عايز يطرح فيها. الراجل طبعًا وافق وقال له هي جات عليك يعني.
وبعد أيام وأيام من البحث، الراجل قابل تايكي فعلاً وحكى لها قد إيه حظه عاثر في الحياة واستسمحها تدي له أي فرصة. تايكي سمعت له وقعدت تفكر شوية وبعدين قالت “ماشي، أنا هبعت لك ثلاث فرص هيغيروا حياتك للأحسن بشكل عمرك ما كنت تتخيله، كل اللي محتاج تعمله دلوقتي أنك ترجع بيتك.” الراجل مكانش مصدق نفسه من الفرحة لدرجة أنه كان هيمشي وينسى يسألها عن السمكة والملكة والمزارع.. فرجع بسرعة وقال لها “طبعًا تسلمي يا ست الكل وكل حاجة، بس فيه ثلاثة طلبات صغيرين أصدقائي اللي ساعدوني أوصل ليكي وصوني بيهم”.. وحكى لها عن مشكلة السمكة ومشكلة الملكة ومشكلة المزارع.
تايكي ابتسمت وبلغته رسالة يوصلها لكل واحد فيهم. في طريق العودة، الراجل قابل المزارع وقال له “ابسط يا عم! تايكي بتقول لك أرضك بور وما بيطرحش فيها زرع علشان فيه كنز كبير مدفون فيها!” المزارع قعد يحفر ويحفر لحد ما وجد الكنز فعلاً وكان هينهار من الفرحة. المزارع عرض على الراجل يقعد معاه ويشاركه الكنز (بما أنه كان السبب في اكتشافه)، بس الراجل أعتذر وقال له إن تايكي وعدته بفرص عظيمة هتجيله أول ما يرجع بيته، وإنه مش عايز يضيع على نفسه الفرص دي. المزارع ضرب كف على كف وقال له “أنت حر.”
الراجل وصل للمملكة وقابل الملكة وقال لها رسالة تايكي بأن حل مشكلة النزاعات هي أن الملكة تتجوز (علشان ماتبقاش مطمع يعني أعتقد).. الملكة استغربت وفكرت شوية وبعدين بصت للراجل وسألته “طيب تتجوزني؟” (تقريبًا الملكة كانت عايزة تختبر صحة كلامه.. أو المملكة مفيهاش رجالة الله أعلم)، الراجل رفض بشدة وقال لها “لأ لأ ماينفعش أتجوزك وأقعد معاكي هنا في المملكة لأني كده هضيع الفرص اللي تايكي هتبعتها لي!” الملكة برضه ضربت كف على كف وقالت إيه الراجل المجنون ده وسابته يمشي.
أخيرًا الراجل وصل للسمكة اللي رجعته لبيته وقال لها إن سبب الألم اللي في جنبها شوكة ممكن يشيلها بسهولة. وفعلاً بعد ما شال الشوكة، السمكة قعدت تبلبط من السعادة وقالت له إن فيه كنز في البحر ده موجود على عمق كبير، وإنه بس هيحتاج وقت ومجهود علشان يقدر يستخرجه بس هي هتدله على مكانه.. وطبعًا عارفين الراجل الأهطل قال للسمكة إيه.
المهم الراجل رجع بيته وهو مقبل على الحياة ومنتظر بقى الثلاث فرص اللي هيهلوا عليه في أي وقت. كل يوم يصحى مستني الفرصة تيجي ومابتجيش، كل يوم، ويوم يجر يوم، وأسبوع يجر أسبوع، وشهر يجر شهر، وسنة تجر سنة.. وفرص تايكي الموعودة لا تأتي أبدًا.
اللطيف في القصة دي أن الفرص ما ظهرتش في حياة الراجل بعد مقابلته لتايكي.. الفرص ظهرت قبل ما يقابلها أصلاً، ظهرت أول ما قرر يسعى أنه يقابلها، بدليل أنه قابل السمكة والملكة والمزارع في طريقه لتايكي، يعني الفرصة كانت موجودة فعلاً وهو بس كان محتاج يكتشفها.
بس على قد ما القصة مُلهمة ولطيفة وكل حاجة على قد ما بتشككنا في مفهومنا عن السعادة.. أكيد أول حاجة هنفكر فيها لما نقرأ القصة دي هي قد إيه الراجل مغفل علشان فشل أنه يشوف فرص تايكي الثلاثة، وفضل مستني أوهام في دماغه. بس لو فكرنا شوية غالبًا معظمنا ممكن يشوف نفسه في الراجل ده.. كام مرة ضيعنا على نفسنا فرصة علشان كنا متمسكين بشكل معين للسعادة ومتبتين في صورة ذهنية معينة مش قادرين نتنازل عنها؟ وهل دي حاجة كويسة ولا وحشة؟ هل تمسكنا بمفهومنا المحدود والمحدد للسعادة يُعتبر ضيق أفق ولا إصرار؟
حقيقي أن لما الواحد بيقبل فرص مختلفة عن مفهومه المنشود للسعادة ممكن فعلاً يبقى سعيد ويكتشف جوانب في نفسه مكانش شايفها، بس في المقابل ممكن برضه يحس أنه تنازل عن أحلامه وأشياء في شخصيته كان منتظر تحققها في الفرصة لأن مفهومنا عن السعادة مرتبط ارتباط وثيق بشخصيتنا.
في النهاية مانعرفش إذا كان الراجل فعلاً أدرك غلطته وإغفاله للفرص اللي تايكي بعتتها ورجع تاني لانتهازها، ولا عاش على وهم وصول الفرص يومًا ما. ومانعرفش أي نهاية من دول هيبقى الراجل فيهم أسعد 🙂
ممكن تسمعوا القصة هنا.