النهاردة هنحكي قصة فولكلورية عن بطل لا يملك أي شيء إلا الكثير من الحظ ونبوءة تبعته منذ الطفولة.. هنحكي قصة “ثلاث شعرات ذهبيات من رأس الشيطان”Der Teufel mit den drei goldenen Haaren…

على الرغم من وجود روايات مختلفة لنفس القصة في مناطق متعددة من العالم إلا أن “ثلاث شعرات ذهبيات من رأس الشيطان” اتشهرت كقصة من الفولكلور الألماني بسبب الأخوين جريم The Brothers Grimm اللي قدموها ضمن مجموعتهم القصصية الشهيرة.
قصتنا بتبدأ برجل فقير وزوجته بيرزقوا بطفل جميل. أول ما الطفل بيتولد، عرافة المدينة بتزور الأب والأم وتقول لهم إن الطفل ده حظه وفير وإنه هيتزوج ابنة الملك وهيعيش حياة سعيدة. نبوءة العرافة انتشرت في المدينة والمدن المجاورة لحد ما وصلت للملك ذات نفسه. الملك أتجنن وقال “إيه العيل الجربوع اللي هيتجوز بنتي ده!”.. الملك قرر يقضي على المشكلة من جذورها ويقتل النبوءة في مهدها وراح يزور الرجل وزوجته وهو متنكر في زي تاجر. الملك ألف قصة عن أنه مابيخلفش وإزاي نفسه في أطفال وأنه مستعد يدفع وزن الطفل ده ذهب وأنه هيربيه عنده في بيته الكبير وهيرعاه وهيعيشه أحسن عيشة. الأب والأم رفضوا في الأول لكن لما شافوا الذهب قدامهم ضعفوا ووافقوا يدوا طفلهم للتاجر.
الملك أخد الطفل من هنا وحطه في صندوق وقفل عليه ورماه في البحر (حوار الطفل في الصندوق ده تقريبًا أتكرر مليون مرة في الأساطير والقصص الشعبي والديني). طبعًا الطفل ابن المحظوظة مابيموتش لأن الصندوق بيلاقيه رجل وزوجته في مدينة مجاورة وبيقرروا يتبنوه ويربوه كابن لهم. الولد بيكبر فعلاً، ويُصادف أن موكب الملك يتعرض لعاصفة شديدة فبيلجأ الملك للاحتماء منها في البيت اللي فيه الولد ابن المحظوظة. الملك قعد يدردش مع الأب والأم وحكوا له إزاي إن ابنهم ده مش ابنهم وإنهم لقوه في صندوق في البحر وهو لسه رضيع. الملك أول ما سمع ده أدرك على طول أن الولد هو بعينه صاحب النبوءة المهببة. الملك تمالك نفسه وأبدى إعجابه بالولد وقال لأهله إن شكله أمين وابن حلال وإنه عايز يبعته برسالة خاصة للملكة مش هيقدر يستأمن أي من حراسه عليها. الأهل رحبوا طبعًا والولد أبدى استعداده من مبدأ “احنا في ديك الساعة لما نخدم الملك”.. الملك كتب في الرسالة أن حاملها يجب أن يُقتل فورًا وقفلها وأعطاها للولد المسكين.

الولد بكل العبط والإقبال على الحياة أنطلق في رحلته للقصر الملكي وهو يحمل رسالة الملك. في الطريق بيتملك منه التعب وبيقرر يدخل بيت شكله غريب كده بيلاقي فيه ست عجوزة. الست العجوزة بتقول له “إيه اللي جابك هنا يابني! البيت ده بتاع عصابة من الحرامية وقتالين القُتلة ومش بعيد لما يشوفوك يموتوك”.. الولد، بكل العبط والإقبال على الحياة برضه، قال لها “مش مهم، أنا عايز أرتاح وخلاص. هنام شوية وهقوم أمشي”. بعد شوية العصابة بتيجي وبيشوفوا الولد نايم، بس قبل ما يقتوله بيفتشوا في حاجته علشان يعرفوا ده مين. واحد منهم بيلاقي الرسالة وبيفتحها وبيقرأها.. العصابة بتفهم على طول أن الولد ده غلبان ومضحوك عليه، ولسبب لا يعلمه إلا الله الرحمة فجأة بتدخل قلوبهم وبيقرروا يساعدوه فبيغيروا الكلام في الرسالة بأن حاملها لازم يتزوج ابنة الملك على الفور لشجاعته وأمانته.

الولد، وهو ولا دريان بأي حاجة، بيوصل القصر وبيدي الرسالة للملكة اللي بتقرأ الرسالة وبتنفذ اللي فيها بالحرف. الولد بيتزوج ابنة الملك وبقى في يوم وليلة من الأسرة الملكية!
الملك بيرجع من رحلته بيلاقي الولد ابن المحظوظة متزوج من ابنته وعايش في القصر معاهم واكل شارب نايم. طبعًا بيتجنن ولما بيسأل الملكة عن اللي حصل بتوري له الرسالة وبيفهم أن تم خداعه. الملك بيتمالك أعصابه للمرة المليون وبيروح للولد وبيقول له بكل هدوء إنه لو عايز يكمل في زواجه من ابنته يبقى لازم يثبت شجاعته ويقدم لها مهر ملهوش مثيل. الولد ضرب أخماس في أسداس بس برضه قال للملك “ماشي يا حاج، أؤمر.. عايز إيه؟” الملك قال له “لازم تروح الجحيم وتجيب ثلاث شعرات ذهبيات من رأس الشيطان.”
وعلى الرغم من غرابة الطلب واستحالته، الولد برضه بكل العبط والإقبال على الحياة بيوافق وبينطلق في رحلته للجحيم. في الطريق بيمر على مدينة الحراس بتوعها مرضيوش يعدوه إلا لما يعرفوا شغلته إيه وبيعرف إيه.. الولد رد عليهم بكل ثقة أنه يعرف كل حاجة، فالحراس قالوا له “طالما أنت عارف كل حاجة قول لنا ليه البير بتاعنا جف وبطل يفيض بالخمر زي زمان؟” الولد بكل برود قال لهم “حاضر من عينيا، عدوني بس وأنا راجع هقول لكم ليه”.. ويا سبحان الله الحراس السذج عدوه فعلاً، الموقف ده أتكرر في مدينة تانية وسألوه ليه الشجرة بتاعتنا مابتطرحش تفاح ذهبي زي زمان والولد رد عليهم نفس الرد وعدوه.
الولد وصل للنهر اللي بيفصل الأرض عن الجحيم وهناك قابل المراكبي اللي بينقل الناس للجهة الأخرى من النهر. المراكبي قال له “مش هعديك إلا لما تقول لي أنا ليه مش عارف أخرج من المركب ده ومضطر أفضل أنقل الناس رايح جاي”.. الولد برضه بيرد عليه نفس الرد. المراكبي بينقل له للضفة الأخرى وهناك بيشوف بيت الشيطان.

الولد بيدخل وبيلاقي جدة الشيطان قاعدة لوحدها، فبتسأل له “إيه اللي جابك هنا يا ضنايا!”.. الولد بيحكى لها قصته كلها من ساعة ما أتولد والنبوءة ورسالة الملك والمهر اللي مطلوب منه وأسئلة المدن اللي مر بيها. وتاني، ولسبب لا يعلمه إلا الله، جدة الشيطان بتقرر تساعد الولد وبتسخطه نملة وتخبيه في جيبها علشان لما الشيطان يجي مايشفهوش. بعد شوية الشيطان بيرجع البيت وبيترمي على حِجر جدته من التعب (شقيان برضه طول النهار) وبيطلب منها أنها تلعب له في شعره لحد ما ينام (آه والله حصل، في القصة كمان قال لها تفلّيه لحد ما ينام، بس هنمشيها تلعب له في شعره)، فالجدة استغلت الفرصة وهي بتلعب في شعره وهوب شدت شعرة! الشيطان صحي مفزوع وقال لها “فيه إيه يا ست! بالراحة”.. الجدة اعتذرت له وقالت له إنها حلمت بمدينة البير بتاعهم جف وبطل يفيض بالخمر، الشيطان قال لها آه عارف “ده فيه ضفدع في قاع البير لو قتلوه البير هيرجع يفيض” ورجع ينام تاني. الجدة كررت نفس الحركة وشدت الشعرة التانية وقالت له إن جالها كابوس تاني عن شجرة بطلت تطرح تفاح ذهبي، فالشيطان قال لها “آه عارف، ده فيه فار بياكل في جذور الشجرة لو قتلوه هترجع تطرح تاني”.. الشيطان نام والجدة لتالت مرة تشد شعرة من رأسه. الشيطان المرة دي صحي وكان هيولع فيها لولا حكت له عن حلمها عن المراكبي اللي مش عارف يخرج من المركب فالشيطان بيقول لها “آه يا ستي! عارفه، المراكبي لو أدى المجداف لحد تاني هيتحرر والشخص التاني هياخد مكانه.. هننام بقى في ليلتنا السودا دي ولا إيه!”
الشيطان بينام فعلاً وبيصحى تاني يوم يروح شغله كأي موظف حكومي. الجدة بتخرّج النملة من جيبها وبترجع الولد لصورته الطبيعية. الولد بياخد منها الثلاث شعرات وبيشكرها على مساعدتها وبيمشي.

الولد بيقابل المراكبي وبعد ما بيوصله الضفة التانية بيقول له عن الطريقة اللي يقدر يتحرر بيها وأنه يسيب المجداف للشخص التالي اللي هيطلب منه الذهاب للضفة الأخرى، ولما بيعدي على المدينة التانية بيقول لهم إزاي شجرتهم ترجع تطرح تاني وبيشكروه وبيهدوه حصانين محملين بالذهب، ولما بيعدي على المدينة الأولى بيقول لهم إزاي البير بتاعهم يرجع يفيض فبيشكروه وبيهدوه حصانين محملين بالذهب هم كمان.
الولد بيرجع المملكة وهو معاه ثلاث شعرات ذهبيات من رأس الشيطان ومعاه كمية مهولة من الذهب. الملك بينبهر بشجاعة الولد وبيسأله جاب الذهب ده كل منين. الولد بيقول له “ولا حاجة، أنت هتروح عند النهر اللي بيفصل الأرض عن الجحيم وهناك هتلاقي مراكبي، أطلب منه ينقلك للضفة الأخرى وهناك هتلاقي تلال من الذهب”.. طبعًا الملك الجشع بيروح وأول ما بيحط رجله في المركب المراكبي بيدي له المجداف وبينط من المركب. وبكده كُتب على الملك يفضل ينقل الناس من وإلى الجحيم للأبد.
بعيدًا عن كسر الصورة النمطية للشيطان وتصويره كشخصية عبيطة بيتضحك عليها (صِعب عليا والله أن جدته اللي بيحبها ويأمن لها هي اللي خدعته)، الولد ابن المحظوظة ده من أكتر أبطال القصص غرابة اللي عدوا عليا. عادةً أبطال القصص بيتعرضوا للمصاعب الشديدة بسبب طيبتهم أو شجاعتهم أو أمانتهم.. أو أي من الصفات الحلوة دي، المهم أن بتيجي عليهم لحظة بيفقدوا فيها الأمل تمامًا وبيحسوا الدنيا اتسدت في وشهم وفي اللحظة دي تحديدًا بيلاقوا خلاصهم. الولد ده بقى ماشي في ملكوت الله كده طول القصة مفيش حاجة بتأثر فيه.. ينام في بيت قتالين قُتلة، عادي. يروح للجحيم، عادي. يدخل بيت الشيطان كأنه داخل مطبخ بيتهم، عادي. ولا أي حاجة بتهزه ولا تأثر فيه، كأنه على عِلم بأن كل شيء في النهاية هيبقى في صالحه. وأعتقد السبب في ده هو النبوءة اللي ارتبطت بيه منذ ولادته. الولد بسبب إيمانه التام بحظه ماشي في الحياة بكل ثقة وبيخوض التجارب الصعبة كأنه بيخوض في طبق شوربة بلا أي ذكاء أو دهاء. ده يخلينا نتساءل هل السبب في سير كل الأمور في صالحه حظه الحلو فعلاً وتحقق النبوءة ولّا إيمانه التمام بحظه؟ هل النبوءة هي الرواية اللي محتاج يؤمن بيها علشان يقدر يواجه مصاعب الحياة وهو على يقين بخلاصه؟ أعتقد القصة بتقول لنا إن سعادة الولد مش في تحقق النبوءة ولكن في إيمانه بالنبوءة.. وشتان بين الأولى والثانية. وده السبب ليه كتير مننا بيحتاج يؤمن برواية أكبر منه زي نبوءة الولد علشان يقدر يصحى من النوم ويواجه يوم جديد.. رواية بتأكد له أن أكيد، أكيد الأمور هتسير في صالحه في النهاية، الرواية دي قد تتمثل في نبوءة أو عقيدة أو إحساس أو حتى شخص.
دي مش حاجة وحشة، احتياجنا للنبوءة\الرواية طبيعة إنسانية، لكن الملفت للنظر في نهاية القصة أن الولد دوره أتغير من المفعول به للفاعل، وأن شجاعته الحقيقية مكانتش في مواجهة العصابة ولا جدة الشيطان وإنما في قدرته على التخلص من الملك في النهاية. طول القصة والولد مسلم أمره للدنيا كده وبيعمل كل حاجة بتتطلب منه حتى لو هيحط رأسه في فم الأسد. وأينعم سلبيته في النهاية وصلته لغرضه بس اللي حقق النبوءة فعلاً بأنه هيعيش حياة سعيدة هو إتخاذه القرار بفعل شيء إيجابي ورد أذى الملك بأذى. الولد لو مكانش بعت الملك للمراكبي غالبًا الملك كان هيفضل يقرفه في عيشته، وآه الولد كان هينتصر عليه كل مرة بس في المقابل هيفضل عايش حياة مليئة بالألم والمصاعب على أمل تحقق السعادة. يمكن نضج وشجاعة الولد في نهاية القصة تمثلوا في إدراكه أن الإيمان بالحظ والنبوءة وحده لا يكفي لتحقق السعادة المنشودة..
وكم منا أفنى عمره على أمل تحقق السعادة.. لأن الإيمان بوهم السعادة أسهل بكثير من العمل على تحقيقها.
دمتم شجعانًا.
شكرا بجد علي المجهود الجميل ده 🙏🏻🥺♥️♥️
إعجابإعجاب
العفو ومبسوطة أنه بيعجبك 🙂
إعجابإعجاب
المره هذي كنت متحمسة لتحليلك للقصة ومنتظراه أكثر من القصة نفسها.. شكرا ع مجهوداتك 💜💜
إعجابإعجاب
متشكرة يا هبة 🙂
إعجابإعجاب
مجهود كبير
إعجابإعجاب
أعشق مدونتك … شكرا لك
إعجابإعجاب