عقد هارمونيا واستحقاق العقاب

النهاردة هنتكلم عن عقد هارمونيا The Necklace of Harmonia..

القصة بتبتدي لما إله النار والحدادة هيفايستوس Hephaestus أتجوز إلهة الحب والجمال أفروديت Aphrodite بأمر من زيوس Zeus نفسه اللي كان عايز يمنع خلاف بين الآلهة بسبب أفروديت. زيوس أختار هيفايستوس لأنه كان أكثر الآلهة قبحًا – على الرغم من موهبته وبراعته في صناعة الأسلحة والآلات – ده غير إنه كان غلبان وفي حاله كده. المشكلة بقى إن أفروديت مكانتش بتحب هيفايستويس وبعد ما أتجوزته خانته مع كتير من الآلهة والبشر وكلاب السكك.

هيفايستوس كان غلبان آه بس كرامته نقحت عليه برضه وقرر إنه يعاقب أفروديت على خيانتها المتكررة له. وفي يوم بعد ما قفشها مع إله الحرب آريز Ares في وضع مُخل بالآداب جرسهم هما الاتنين وسط الآلهة، وماكتفاش بكده.. هيفايستوس قرر إنه يلعن سلالة أفروديت من آريز للأبد. لما أفروديت خلفت هارمونيا Harmonia إلهة التناغم، هيفايستوس صنع عقد غاية في الجمال وأهداه لهارمونيا يوم جوازها وقال لها إن اللي يلبس العقد ده، من البشر أو الآلهة، هيحظى بالسعادة والجمال الأبدي. هارمونيا أخدت العقد زي العبيطة ولبسته. هارمونيا أتجوزت الملك كادموس Cadmus وعاشوا في حب وسعادة لحد ما قرر يغزو مدينة تانية فالآلهة عاقبته بأنها حولته لثعبان. هارمونيا اتجننت وفضلت لافة الثعبان حوالين جسمها لحد ما الآلهة حولتها لثعبان هي كمان.

قبل التحول الحرشوفي ده، هارمونيا أهدت العقد لبنتها سيميلي Semele اللي لو تفتكروا هيرا Hera خدعتها وأتسببت في موتها لما عرفت إن زيوس بيعطّ معاها. العقد بعد كده بقى مع جاكوستا Jacosta اللي بتنحدر من سلالة هارمونيا واللي طبعًا مشهورة بمأساة أوديب Oedipus الشهيرة. جاكوستا هي أم أوديب اللي أتجوزها من غير ما يعرف إنها أمه، ولما عرف عمى نفسه وهي انتحرت.

نكتفي بهذا القدر من المآسي والميلودراما، الفكرة إن العقد ده كل ما حد يمتلكه من سلالة أفروديت وآريز حياته بتخرب وبتنتهي بمصيبة ما.. كله بسبب خيانة أفروديت لهيفايستوس.

عقد هارمونيا بيعكس فكرة الخطيئة اللي بتتوارثها الأجيال الموجودة في معظم الأساطير والأديان. حد بيرتكب خطيئة ما، فالعقاب بيلحق بيه هو وسلالته اللي ملهمش دعوة أصلاً باللي حصل. هل العقاب هنا بيفترض إن الطبيعة الآثمة بتُورث؟ يعني هيفايستوس أفترض إن طالما أفروديت خاينة يبقى نسلها كله خاين، ولا كان عايز يحرق قلبها على أولادها وأحفادها وهكذا؟

بعيدًا عن الناحية الفلسفية والدينية للموضوع اللي بيقدموا لنا تفسيرات عديدة، اللي بيشدني أكتر في المعضلة دي هو الجانب النفسي. ليه الإنسان على مر العصور كرر فكرة العقاب بالوراثة دي وشعر بالحاجة للتمسك بيها؟ هل ده لأننا فعلاً كبشر حاسين بنقصنا وميلنا للخطيئة فبنرجع ده لشيء ما توارثناه؟ فكرة الإرث مهمة وصايعة جدًا.. هي مش في طبيعتنا، لأنها لو في طبيعتنا مش هنعرف نتخلص منها أبدًا مهما حاولنا، لكنها موروثة زي الفلوس والممتلكات ممكن نتخلص منها في أي وقت. التخلص منها محتاج مجهود بس مش مستحيل.

ممكن حد يقول لي طيب ما احنا ممكن نرث أمراض جينية ولا أي بلاوي تانية مانعرفش نتخلص منها. وجهة نظر منطقية جدًا وممكن تنور لنا ناحية جديدة من الجانب النفسي للموضوع. ممكن يكون الإنسان لجأ لفكرة العقاب بالوراثة علشان يفسر تعرضه للعذاب غير المبرر اللي بيشوفه في الحياة. من واحنا صغيرين بنتعلم إن لما بنعمل حاجة حلوة بنتكافئ ولما بنعمل حاجة وحشة بنتعاقب.. لما بنكبر بنلاقي إننا بنتعاقب من غير ما نعمل أي حاجة وحشة، فعلشان نبعد عن فكرة العبث اللي هي صعبة البلع جدًا، بنلجأ للتفكير المتأصل بتاع أكيد عملنا حاجة وحشة.. أكيد نستاهل.

السؤال الأهم بالنسبة لي بقى، هل العقاب بيفقد معناه – أو وجوده أصلاً – لما نفقد السبب ورا وجوده؟ يعني هل هارمونيا وسيميلي وجاكوستا كانوا مدركين إن البلاوي اللي حصلت لهم دي بسبب العقد وخطيئة أفروديت؟ هل لو كانوا عارفين إن العقد ده ملعون كانوا تخلصوا منه؟ وهل ساعتها كان هيبقى عندهم الشجاعة الكافية للاعتراف إن أي شر يحصل لهم بلا أي هدف أو معنى؟

أعتقد أحيانًا بعضنا بيفضّل التمسك بعقد هارمونيا وباستحقاقه للعقاب على خطيئة قد يكون ارتكبها أو توارثها على أن يتقبل فكرة إن معاناته بلا أي معنى أو سبب.

دمتم بعيدًا عن العِقد والعُقد.


اترك رد

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s