موضوع النهاردة هيكون فلسفي نفسي أدبي هلامي (هو ملهوش تصنيف) بس وجب التنويه إن اللي لسه ماقرأش القصتين اللي هتكلم عنهم يوصل لأخر البوست وهيلاقي رابط للقصتين أو يكمل من غير ما يقرأهم أو يعدي الموضوع كأنه ماشفش حاجة عادي خالص.
القصتين هم “البيضة” The Egg للكاتب الأمريكي أندي ويير Andy Weir و”السؤال الأخير” The Last Question لإسحق عظيموف Isaac Asimov

نبتدي ب”البيضة”.. القصة أتكتبت في 2009 وبتبتدي بإن الشخصية الرئيسية اللي من غير اسم بيستعيد وعيه وبيدرك إنه لسه ميت في حادثة عربية. القصة واخدة شكل حوار بين الشخص \الإنسان ده وكيان آخر ذو سلطة بيجاوب على أسئلة الإنسان. طبعًا الإنسان بيبتدي يسأل هو فين وبيكلم مين وبيعمل إيه في المكان ده وياترى هيروح الجنة ولا النار، فالكيان بيرد عليه بإنه لا هيروح لا جنة ولا نار وإنه هيتجسد في صورة تانية وهيرجع الأرض تاني، وإن دي مش أول مرة يموت ويرجع يتجسد في صورة تانية. فالإنسان بيسأل الكيان طيب إيه الهدف من ده كله. الكيان بيرد ويقوله إن الكون أتخلق بس علشانه – الإنسان – وإن عملية إعادة التجسد دي الهدف منها الرقي والتطور بوعيه. الإنسان بيستغرب جدًا وبيسأل الكيان “يعني أنت عملت الكون ده كله علشان الجنس البشري؟” فالكيان بيقوله إن مفيش جنس بشري.. الكون كله مفيهوش غير أنا وأنت.. مفيش غير إنسان واحد بس.. وعي واحد بس بيتجسد بصور مختلفة في كل زمان ومكان وإن فكرة الوقت والمكان ملهمش أي معنى. فالإنسان بيقوله يعني أنا ابراهام لينكون؟ الكيان بيقوله وأنت هتلر كمان، وكل إنسان مشي أو هيمشي على الأرض. الإنسان بيزبهل شوية وبيسأل تاني طيب إيه الغرض من ده كله؟ ليه بيعاد تجسدي لعدد مهول من المرات؟ فالكيان بيقوله إن أنت كإنسان لسه جنين وأن الكون ده هو البيضة اللي لازم تفضل جواها لحد ما ترقى وتبقى زيي.
طبعًا الفكرة فلسفيًا ممكن تفكرنا بنظرية العود الأبدي Eternal Recurrence بتاعت الحاج نيتشه اللي بيقول فيها طالما الوقت والزمان بيمتدوا بشكل لامتناهي فده معناه إن وجودنا كمان لامتناهي وإن الوجود بيعيد نفسه بشكل أبدي، بس الفرق هنا إن في القصة العود مش أبدي والتكرار مش عبثي وإنما بيضيف للوعي الإنساني علشان يوصل لمرحلة معينة من الرقي أبعد من الإنسانية.
من ناحية نفسية الموضوع فكرني شوية بكلام الباشمهندس فرويد عن الذاكرة اللي تطرقنا له قبل كده، وإن إزاي ذاكرة الأنسان بتعتمد على التكرار للوصول لدرجة أعلى من الوعي. فرويد أدى مثال على ده وقال لما الإنسان بيتعرض لصدمة ما والذاكرة بتبتدي تكررله الحدث الصادم الهدف مابيبقاش تعذيب النفس وإنما محاولة فهم الصدمة نفسها لإن كل مرة الذاكرة بترجع للصدمة بتكشف للإنسان جانب جديد من الذكرى أو بتديله إحساس مختلف عنها وعن دوره فيها. العملية قد تبدو مرهقة وطويلة بس هدفها في الأخر بيكون الوصول لنوع من التصالح مع الذكرى أو الصدمة دي. قصة أندي ويير قريبة من فكرة فرويد شوية بس على نطاق وجودي أوسع: وجودنا الإنساني آه بيتكرر ولمرات لا تعد ولا تحصى بس لهدف أسمى وهو الرقي بالوعي الإنساني ككل.
القصة برضه بتحدف شوية على فكرة الأنا العليا أو الSuper Ego اللي بتعتبر جزء من وجدان كل إنسان. في القصة الإنسان هو مرحلة بدايئة من الكيان اللي هو بيمثل الصورة المثالية\العليا اللي المفروض الإنسان يوصلها، بس ده برضه معناه أن هم الاتنين جزء من كيان واحد. وده بيخرجنا من الدايرة المريحة اللي بنفصل بيها بين وجودنا ووجود آخر مسؤول عنا، وبيخلينا ندرك إن فكرتنا عن الوجود الأسمى ما هي إلا انعكاس لنفسنا..لجزء منا، إحنا اللي بندي وبنحرم نفسنا.. إحنا اللي بنكافئ وبنعاقب نفسنا.
فيه حتة مهمة جدًا في القصة الكيان بيقول للإنسان إن كل مرة بيعيد تجسده لازم ينسى اللقاء ده وينسى إنه عاش حيوات أخرى، والفكرة ورا النسيان أو الغفلة دي إن الإنسان مش هيقدر يعيش بهذا القدر من الإدراك والإحساس بالمسئولية المرعبة بأن هو الحاكم والمحكوم حتى يصل للقدر الكافي من الوعي.
ما علينا، كفاية هرطقة. لو رجعنا للقصة هنلاقي إن الوجود الإنساني مش بس بيتوحد مع الكيان وإنما مع الأجزاء المكونة له. لما الكيان بيوضح للإنسان إن كل الناس والكائنات اللي عاشت أو لسه هتعيش هي نفسها الإنسان ده بس في تجسدات أخرى بيقوله جملة من أجمل الجمل اللي عدت عليا:
“Every time you victimized someone,” I said, “you were victimizing yourself. Every act of kindness you’ve done, you’ve done to yourself. Every happy and sad moment ever experienced by any human was, or will be, experienced by you.”
الفكرة دي قد إيه بديعة لأنها مش بس بتربطنا روحانيًا ببعض لكن بتوضح مفهوم الempathy في أبهى صوره. الempathy مش مجرد شعور بالعطف تجاه الآخرين وأنما تقمص لمشاعر الآخرين، يعني مشاعري بتتوحد مع مشاعر الآخر فاللي بيشعر بيه كأنه واقع عليا أنا. وده معناه، وفقًا للقصة، إن الناس اللي عندها empathy على درجة أعلى من إدراك حقيقة توحدنا الوجودي وبالتالي هم أبعد ما يكون من الصورة البدائية للإنسان وأقرب ما يكون من الكيان الأسمى.
طيب نسيبنا من البيض ده (no pun intended) ونشوف القصة التانية؟

القصة التانية “السؤال الأخير” كتبها المؤلف الأمريكي إسحق عظيموف، واللي كان برضه أستاذ في الكيمياء العضوية، سنة 1956. القصة بتبدأ في 2061 وبتدور أحداثها على مدار كذا تريليون سنة. طبعًا الفاصل الزمني بين كل موقف والتاني مهول بس المواقف كلها بتشترك في حاجة واحدة. في الموقف الأول هنلاقي اتنين بيتكلموا عن طاقة الشمس وإن هيجي يوم أكيد وهتخلص حتى لو اليوم ده بعد مليون سنة فبيسألوا كمبيوتر متطور – عامل زي Deep Thought اللي شاف فيكم HHGTTG – إزاي يمنعوا الطاقة إنها تخلص أو يعكسوا الانتروبي بتاع الشمس.
نتوقف هنا لحظة علشان نشرح يعني إيه انتروبي entropy، وبعتذر من الأول للمتخصصين علشان أنا بلاص في الفيزياء. دلوقتي أي نظام بيعتمد على الطاقة لازم ولابد يطرأ عليه التغيير لعوامل كتير مش موضوعنا دلوقتي، المهم إن التغيير ده بيؤدي إلى فقد أو تغير عناصر الطاقة وتحرك النظام من الحالة الأولية الثابتة المنتظمة لحالة من العشوائية وده اللي بيسمى بالانتروبي. الفكرة بقى أن الانتروبي ده لا يمكن عكسه وإن كل ما الانتروبي بتاع النظام زاد كل ما النظام أبتعد عن صورته الأولى وتوجه للفناء.
نرجع بقى للقصة، الكمبيوتر بيجاوب عليهم ويقولهم إن معندهوش معطيات كافية للإجابة على سؤال زي ده. بعد كام مليون سنة وبعد ما الشمس بتنطفي والإنسان بيروح مجرات تانية، الإنسان برضه بيسأل الكمبيوتر المتطور امتى طاقة الكون هتخلص؟ إزاي نقدر نعكس الانتروبي؟ والجواب برضه جاله إن مفيش معطيات كافية للإجابة على السؤال. الموقف بيتكرر تالت ورابع وخامس مع تغير الزمان والمكان وتطور الوعي الإنساني طبعًا لحد ما الإنسان بيوصل لمرحلة إنه أنفصل عن وجوده المادي أصلاً وبقى موجود ككيان واحد في الكون وفي كل مرة بيسأل السؤال ده للكمبيوتر المتطور – اسمه AC – بتجيله نفس الإجابة. لحد ما الوعي الإنساني ده بيتوحد مع الكمبيوتر في الفضاء الافتراضي (الكون والزمان والمكان انتهوا خلاص) وبيقدر يوصل لإجابة السؤال. المشكلة إن مفيش حد يستقبل منه الإجابة.. مفيش وجود مادي أصلاً لاستقبال الإجابة، فالكمبيوتر\الوعي المتطور ده بيقرر يخرج إجابة السؤال عن طريق التنفيذ وبتخلص القصة بالجملة دي:
And AC said, “LET THERE BE LIGHT!”
And there was light.
في إشارة واضحة لسفر التكوين طبعًا، وده معناه إن AC أعاد خلق الكون.
القصة دي فكرتني ب”البيضة” أول ما قرأتها لأن الاتنين زي ما وضحت فوق مركزين على فكرة توحد الإنسان بالكيان الأعلى.. وعي الإنسان المتطور بيكون السبب في ظهور الكون مرة أخرى وظهور الإنسان بشكله البدائي اللي هيفضل يتطور ويرتقي لحد ما يوصل لشكله الأسمى وهكذا، وده بالظبط اللي حصل مع الإنسان والكيان في قصة أندي ويير.
العبقرية بقى في قصة عظيموف هي تناولها لفكرة التكرار. التكرار في قصة ويير كان سببه هو إرتقاء الإنسان – العملية اللي بيحركها الكيان اللي هو برضه صورة متطورة من الوعي الإنساني. التكرار في قصة عظيموف كان الدافع بتاعه مجرد سؤال! سؤال “امتى طاقة الكون هتخلص؟”
الفكرة بقى إن لولا وجود السؤال ده مكانش الكمبيوتر\الوعي المتطور أعاد تكوين الكون تاني، وكأن قلق الإنسان الدائم هو النواة أو المسبب الأساسي لوجوده.
القصة دخلت بيا في مزنق وجودي ضلمة كده: لو جردنا القصة من أبعادها الكونية وطبقنا فكرتها على تجربتنا الإنسانية الفسلة: الواحد أحيانًا بيسأل نفسه فاضل قد إيه لحد ما استنفد كل طاقتي النفسية والفكرية اللي مخلياني أقدر أعيش يوم كمان؟ وبعد ما الواحد بيتعرض لجرعات كبيرة من الألم بيحاول جاهدًا إنه يعكس الانتروبي للعودة للصورة الأولى أو أنه يوصل بيه لأعلى درجة وهي الفناء. الفكرة بقى إن عكس الانتروبي أو الوصول للفناء هيرجعوا بينا لنقطة الصفر تاني وهيدخلوا بينا في حلزونة التكرار، فهل ساعتها الإدراك بيكون نتيجة للتكرار ولا المسبب له؟ هل إدراكي للألم هو نتيجة للألم نفسه ولا السبب فيه؟ وده معناه أن طاقتي مش هتستنفد طول ما فيه إدراك!..
بقول كفاية سوداوية كده.
فيه قراءة وجودية أكثر بهجة شوية للقصة ممكن من خلالها نشوف إن المرحلة الأخيرة اللي وصلها الكمبيوتر\الوعي المتطور هي أعلى مراحل الإدراك والوعي الإنساني – أو الألم! – ولكن بالضرورة بيصاحبها ظلمة متمثلة في اختفاء الكون والحياة أصلاً، بس المرحلة دي بيتولد من رحمها النور اللي بيبدأ كل شيء على نضافة.. كله بسبب إحساس أو سؤال عابر إجابته ممكن هتاخد سنين بس هتدي حياة جديدة.
أتمنى تكونوا سؤال عابر في حياة الناس اللي بتحبوهم.
.
“The Egg”: http://www.galactanet.com/oneoff/theegg_mod.html
“The Last Question”: http://www.multivax.com/last_question.html
موجودة فيلم أنيميشن لطيف جدا the egg
إعجابLiked by 1 person