الأسبوع اللي فات ظهرت على مواقع التواصل الإجتماعي صورتين يعتبروا من الصور اللي أثارت الجدل في الفترة الأخيرة. الصورة الأولى تم التقاطها في شوارع باريس أثناء الاحتجاجات في فرنسا والثانية اتخدت بعدها بكام يوم في الجيزة على قمة هرم خوفو.
الصورة الأولى بتظهر امرأة قاعدة في مطعم برجر كينج (أحد مطاعم الوجبات السريعة العالمية) وبتصور على تليفونها المواجهات العنيفة بين المحتجين والشرطة الفرنسية وهي بتضحك ومنشكحة جدًا إنها بتصور الأحداث عن قرب من موقعها الآمن داخل برجر كينج..

أما الصورة التانية فهي لمصور دنماركي وصاحبته قرروا يتسلقوا هرم خوفو ويمارسوا الجنس على قمته ويصوروا اللحظة دي..

وبعيدًا عن الاعتبارات الأخلاقية، فمن الناحية الفكرية الصورتين دول على قدر كبير من التشابه والارتباط.
الصورتين قايمين على فكرة الjuxtaposition أو التجاور، وهي إني أجيب عنصرين مختلفين وأحطهم جنب بعض. في صورة باريس العنصرين دول هم الاحتجاجات والهوس المعاصر بالتصوير، أما في صورة الهرم فالعنصرين هم التاريخ المصري القديم المتمثل في الأهرامات والهوس بالجنس أو الpornography.
ظاهريًا – وده السبب الرئيسي اللي خلى الصورتين يثيروا حفيظة الناس – العنصرين في كل صورة على قدر كبير من التفاوات من الناحية الأخلاقية: الاحتجاجات في الوعي الجمعي بتتشاف على أنها حاجة مقدسة sacred لأنها بترتبط بالثورات وحقوق الشعب المهدورة وتعسف الحكومات… إلخ. فإزاي صورة واحدة تجمع حاجة مقدسة زي دي مع حاجة تانية بتتشاف على إنها من علامات انحطاط الإنسان المعاصر وهي الهوس بالصورة أو الهوس بالvoyeurism (اللي اتكلمنا عليه قبل كده)! نفس الكلام ممكن يتقال على صورة الهرم، التاريخ بقدسيته بقى مجاور لحاجة منحطة زي الجنس والعري.
لكن في حقيقة الأمر – وده اللي مخلي الصورتين مميزتين جدًا – إن العنصر “المنحط” في كل صورة ما هو إلا مراية للobscenity اللي موجودة في جوهر العنصر التاني “المقدس”… الثورة والتاريخ اتفقنا أو اختلفنا على أبعادهم الأخلاقية فهم في الأخر grand narratives قابلين للتغيير والتفنيد، مشكلتهم أنهم بيكتسبوا هالة من القدسية والسلطة مع مرور الوقت. المميز في الصورتين دول إنهم بيهدّوا القدسية وبيظهروا جانبهم الإنساني “الناقص” اللي بيتم التستر عليه.
صورة باريس بتظهر إن فكرة الثورة في عصرنا الحالي قائمة على الvoyeurism أصلاً! متعة المشاهدة ومتعة التكشف.. الناس دلوقتي بتنزل تتظاهر بموبايلاتها علشان كل طرف يمسك على التاني صورة يفضحه بيها على مواقع التواصل الإجتماعي وبالتالي يكسب تعاطف الناس اللي مش عايزة حاجة غير إنها تتفرج، وأي حاجة بتحصل من ورا الكاميرا كأنها ماحصلتش. احنا كبني آدم بقى رد فعلنا للصورة أقوى من الكلمة وبالتالي ده أثر على أفعالنا سواء بشكل إرادي أو غير إرادي.
أما صورة الهرم فهي بتكشف الobscenity في فكرة التاريخ ككل، الفراعنة كانوا مهووسين بفكرة الخلود وده سبب الأهرامات والمعابد والمسلات.. إلخ. بس من وجهة نظري فكرة الخلود فكرة غريزية جنسية بحتة – فايت مي! – تعالوا نفكر فيها كده..
زمان الناس كانت بتخلف وتجيب أولاد كتير علشان اسمهم يفضل مستمر وكأن الأولاد دول امتداد لوجودهم بعد ما هم يموتوا، وده الغرض من التكاثر، والتكاثر بيتم عن طريق إشباع الغريزة الجنسية. ده غير إن الجنس كان مهم عند الفراعنة وكانوا بيشوفوه كجزء من استمراريتهم وخلودهم. مومياوات كتيرة لقوا معاها قضيب ذكري لأنهم كانوا بيؤمنوا أنهم هيحتاجوه في ممارسة الجنس في الحياة الأخرى. وهل تعلم إن مومياء توت عنخ آمون كان القضيب بتاعها محنط في وضع الانتصاب؟ فالجنس والغريزة الجنسية لا يمكن فصلهم عن فكرة الخلود اللي كانت سبب في عظمة واستمرارية التاريخ الفرعوني.
الجميل في الصورتين إن وقعهم الصادم بيكشف إن كل فكرة شايفينها عظيمة ومقدسة بتبقى غالبًا قايمة على طبيعة إنسانية دايمًا بنحب نصنفها على إنها ناقصة، علشان إحنا كجنس بشري ما بنحبش نواجه نفسنا أو غرائزنا “الناقصة”.