في مشهد من فيلم The Hurt Locker الجندي الأمريكي وليام جيمس (جيريمي رينير) بيرجع من فترة خدمته في العراق لزوجته اللي بتبعته للسوبر ماركت علشان يشتري علبة سيريال لابنهم. وليام بيتعثر في مهمته البسيطة لما بيروح ويلاقي على الرف عشرات الأنواع اللي لازم يختار بينهم، وبيقف في حيرة شديدة..
على الرغم إن وليام ما بيقولش ولا كلمة بس تعبيرات وشه بتقول “إيه الحوسة دي! دي الحرب ببلاويها كانت أسهل من كده” طبعًا من وجهة نظر سياسية\إقتصادية المشهد بينتقد الرأسمالية (إغراق السوق بالسلع) والإمبريالية كأداة من أدواتها (عدم قدرة الجندي على التعايش مرة أخرى مع مجتمعه بسبب الحرب). بس من وجهة نظر فلسفية، المشهد بيشير بصورة صريحة لجوهر المشاكل الوجودية. سارتر Sartre، جحفل من جحافل النزعة الوجودية existentialism، بيقولنا إن أول ما الإنسان بيدرك إن وجوده بلا معنى متأصل وإن بأيده هو بس إنه يختار المعنى المناسب لحياته من بين عدد لانهائي من المعاني بيصاب بحالة من الدوار nausea ..الدوار ده نتاج طبيعي للهلع اللي بيصاب بيه الإنسان لما يلاقي نفسه المسئول الأول والأخير عن تحديد معنى ومسار حياته من بين ملايين المسارات (صورة وليام وهو مخضوض قدام رفوف السيريال).. المسئولية اللي طول عمره بيرميها على قوة خارج إرادته (إله، قدر، طبيعة.. إلخ) بقت على عاتقه هو وبس.
الموضوع مفزع فعلاً خصوصًا لما تدرك إنك ضيعت جزء كبير من حياتك وأنت مؤمن بتفسير\سردية ما لمجرد إنها مريحة وبتشيل عنك المسئولية دي مش علشان أنت مؤمن بيها فعلاً! وده اللي سارتر بيسميه bad faith أو الإيمان الناقص. يعني لما حد يؤمن بوجود قدر وحياة أخرى علشان يهرب من فشله في إيجاد تفسير للظلم والألم اللي بيتعرض له يبقى ده، وفقًا لسارتر، إيمان ناقص. فكرة الإيمان الناقص ببساطة هي تهرب الإنسان من عبثية وجوده عن طريق الإيمان بفكرة بيبقى شايف إن وجودها سبقت وجوده مش العكس (حد فاهم حاجة؟)
المهم إن الوجودية قايمة على حالة الفزع دي وإيه اللي المفروض يتعمل بعدها. خلاص عرفت إن مفيش معنى متأصل لوجودي وإن المعنى ده شيء فرضي عبثي وأنا المسئول الأول والأخير عنه، أتصرف إزاي؟ أدور على معنى أمشي بيه حالي ولا استسلم تمامًا لعبثية الحياة؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة مع كامو…
صندوق لابانشي 
رأي واحد حول “سارتر والعدمية”