بودريار والسميُلاكرم

تنويه: البوست بتاع النهاردة محتاج كوباية شاي\قهوة\نسكافيه ومزاج رايق علشان محتاج مخمخة.

لو سألت أي مواطن في أي بلد في الدنيا عن الأخت الفاضلة كيم كارداشيان أو وريته صورة من صورها فيه احتمال مش قليل إنه يكون عارفها. ولو سألته طيب تعرف إيه عنها غالبًا هنسمع إجابات زي “حاجات كبيرة” “مُزة” “غنية جدًا” “حاجات كبيرة” “عارضة أزياء؟” “عريانة” “حاجات كبيرة”.. اتفاق الناس كلها على اختزال كيم كارداشيان في الأوصاف اللي فوق دي تدل على إنها تحولت لأيقونة (مش قصدي بقت حاجة عظيمة) أي أن وجودها الواقعي أُختزل في رمز، فبقت هي رمز الجمال أو الموضة مثلاً في عصرنا الحالي.

طيب لما البنات الصغيرة تبتدي تقلد كيم في لبسها وشكل جسمها وطريقة كلامها، هل هم بيقلدوا كيم كما هي في الواقع ولا بيقلدوا الصورة أو الأيقونة اللي كيم عايزة تصدرهلنا no pun intended؟

نحط كيم على جنب دلوقتي (هنرجعلها كمان شوية ماتخافوش) ونوضح حاجة الأول، علم السيميائية semiotics (العلم القائم على دراسة الرمز والإشارات) بيقولنا إن أي حاجة في الدنيا ليه شقين: الوجود المادي أو المعنوي للحاجة دي في الواقع وبيسمى بالمُشار إليه signified/referent والرمز أو الكلمة المستخدمة في التعبير عن الحاجة دي وتسمي بالإشارة signifier/reference. مثال: الكائن أبو أربع رجلين اللي بينونو ده هو المشار إليه، كلمة قطة سواء منطوقة أو مكتوبة هي الإشارة.

مثال تاني: مفهوم السعادة والفرحة هو المشار إليه.. الإيموجي ده 🙂 هو الإشارة… وطبعًا واضح إن العلاقة بين الإشارة والمشار إليه بتختلف باختلاف اللغة والسياق. المهم يعني إن كل السيميائين اتفقوا إن المشار إليه بينتمي لعالم الواقع أو تصورنا عنه في حين إن الإشارة بتنتمي لعالم الرمز.

جيه بقى الفيلسوف والكاتب الفرنسي جان بودريار Jean Baudrillard (من كُبارة فلاسفة ما بعد الحداثة) علشان يقولنا لأ يا حلوين إحنا عايشين في زمن منيل بستين نيلة والموضوع مش بالسهولة دي وابتدى يطور نظرية تسمى بال simulation and simulacrum أي المحاكاة والصورة (مش عاجبني كل الترجمات اللي لاقيتها للكلمة دي فهستخدم سميُلاكرم عادي). معظمنا عنده فكرة يعني إيه محاكاة.. المحاكاة ببساطة هي تقليد الواقع، يعني بخلق صورة بتتشبه بصفات حاجة واقعية من أجل خلق واقع مماثل بس غير حقيقي (فاكرين الsimulation اللي كانت في الملاهي؟)

مثال تاني، واحد بيمثل إنه عيان علشان مايروحش المدرسة فاللي بيحصل إنه بيحاكي أعراض المرض علشان يخلق صورة شبه واقعية للمرض فالناس تصدق إنه عيان. بودريار بيقولنا إن المحاكاة أخذت بُعد أعمق من كده ومابقاش هدفها بس إنها تخلق صورة شبه الواقع وإنما تخلق صورة بتلغي وجود الواقع أصلاً.. وبتبقى هي الصورة والواقع في نفس الوقت… الإشارة والمشار إليه. كأن الولد قعد يمثل أعراض المرض لحد ما بقى عيان فعلاً. المحاكاة بمفهوم بودريار بتلغي العلاقة بين الواقع والصورة… وكأن الصورة بواقعيتها بقت أوقع من الواقع. ها! الصورة لما بتوصل للمرحلة دي بتسمى سميُلاكرم، وفي الحالة دي مش بتبقى تشبيه أو إشارة لحاجة في الواقع وإنما الواقع بتاع نفسها.

تعالوا نحاول نطبق على مثال، من فترة كده كنت بتفرج على فيديو لولدين بيحاولوا يقلدوا أصوات وطريقة بعض المشاهير في الكلام ولفت انتباهي إن سيري من المشاهير اللي حاولوا يقلدوهم.. سيري مش إنسان موجود على أرض الواقع وإنما صوت إنساني على مجموعة خوارزميات بتخليها تطلع بصورة تحاكي إمرأة.. لكن سيري مش مجرد “صورة”.. لإن كل علاقتها بالواقع (صوت الست والقائمين على صنعها) أتقطعت تمامًا وبقت سميُلاكرم أي واقع مستقل بذاته لا يقل في واقعيته عن شخصيات شهيرة (وهي معمولة علشان دي تبقى طريقة تفكيرنا فيها) بدليل إن الولدين مقالوش هنقلد صوت الست اللي بتتكلم لخوارزميات سيري،إنما قالوا هنقلد سيري.. بس كده.

تعالوا نشوف كمان الناس اللي بتروح أي كوميك-كون وبتقلد شخصياتها المفضلة من الأفلام والقصص المصورة. على الرغم من إن كتير من شخصيات القصص المصورة مبنية على شخصيات واقعية – في الشكل أو المضمون – إلا إن الناس عمرها ما بتفكر في ده. الشخصيات دي بالنسبة لهم واقع لا يشيرإلى أي شيء إلا نفسه ودورهم إنهم هم (الواقعيين!!) يقلدوه مش العكس.

نرجع لكيم بقى.. كيم كارداشيان بقت سميُلاكرم لإنها حولت نفسها لصورة لا صلة لها بالواقع لأ ومش كده كمان، دي كيم ذات نفسها (بوجودها الواقعي يعني) بقت تاخد صورتها (أو اللي الناس متخيلاه هي) على إنه واقع يجب تغيير واقعها للتشبه بيه، فمثلاً بقت تكبر حاجات علشان الناس عارفين إن المفروض كيم عندها حاجات كبيرة.. وبقت دايمًا بتظهر بصورة معينة علشان الناس عارفين إن المفروض كيم شكلها كده على طول…

الحلزونة الحقيقة إن مش بس الناس شايفين صورة كيم على إنها الواقع اللي لازم يتشبهوا بيه، لأ ده هي كمان بقت بتتشبه بصورتها! وكأن بودريار عايز يقولنا إن واقعنا بقى هو الbitch بتاع الصورة وليس العكس.

بودريار بيقولنا إن علشان الصورة أو المحاكاة تتحول لسميُلاكرم لازم تمر بأربع مراحل:

1)الصورة بتعكس الواقع (دي صورة بريئة لكيم وهي ماسكة جاكيت وده اللي حصل وقتها في الواقع فعلا)

2)الصورة بتغير حاجة في الواقع (هات الفوتوشوب من الدولاب يا بني وشيلي السيليولايت ده وكبرلي المسائل كمان)

3)الصورة بتخبي غياب الواقع (كيم عمرها ما بتلبس النوع ده ما الجواكيت ولا بتحط النوع ده من المايكب)

4)الصورة ملهاش علاقة بأم أي واقع أصلاً ومش مهتمة تكون ليها علاقة بكيم الحقيقية…. وهنا بتتحول لسميُلاكرم.

بودريار شايف إن من كتر ما إحنا عايشين وسط سميُلاكرا (جمع سميُلاكرم) كتيرة، الواقع بتاعنا مابقاش reality وإنما hyperreality… واقع مفترض بلا أي صلة لواقعنا قائم على فكرة إنه واقع مستقل بذاته (?virtual reality much).. وده إن دل فإنه يدل على إن بودريار كان برنس في نفسه إنه توقع حاجة زي كده قبل ما تحصل فعلاً.

دلوقتي بقى كل همنا إن احنا نبقى شبه الصورة (غير الحقيقية) اللي بنروجها لنفسنا على السوشال ميديا.. وكأننا بنخضع واقعنا للسميُلاكرم. واحدة شافت صورة واحدة تانية مهرية فوتوشوب وفيلترز… فتحاول جاهدة تبقى شبه الصورة دي في واقعها وكمان تتصور صور وتهريها فوتوشوب وفيلترز علشان لما هي شخصيًا تشوف الصورة دي تقول إيه ده أنا ليه الواقع بتاعي مش زي الصورة؟!.. شايفين العبث!

مرة في مؤتمر واحد سأل بودريار “من أنت؟” (أسئلة المراهقين دي).. بودريار رد عليه بكل بساطة:

What I am, I don’t know. I am the simulacrum of myself.


4 آراء حول “بودريار والسميُلاكرم

  1. في فلم The social Dilemma , اتكلموا عن حاجة اسمها Snapchat Dysmorphism , و هي انه مجموعة من البنات كانوا بيمشوا لجراحين تجميل عشان يبقى شكلهم زي الصورة المفلترة بتاعت التطبيق ده ، و دي كانت من ضمن مساويء السوشيال ميديا اللي عندها نفس المفهوم بتاع السيمولاكرا

    إعجاب

اترك رد

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s