
فاكرين تاي؟ التويتر بوت اللي عملتها مايكروسوفت في 2016؟ اللي مش فاكر.. مايكروسوفت طورت twitter bot (البوت ده برنامج قائم على الذكاء الاصطناعي وبيتعلم من خلال محاكاة سلوك ولغة البشر) وسمتها تاي وكان هدفها التطور من خلال التفاعل مع مستخدمي تويتر. كلام جميل؟ لأ مش جميل….
اللي حصل إن تاي بقت عاملة زي الطفل الصغير اللي بيلقط كل حاجة حواليه، وفي وقت قصير مايكروسوفت أضطرت تقفل حساب تاي للأبد بسبب تغريداتها وردودها المتنمرة واللي كانت بتوصل للسب والإساءة إلى بعض الديانات والمعتقدات (مثلاً مجدت في هتلر وشتمت اليهود والنسويات وكانت بتدعو لمذابح جماعية). طبعًا كان واضح جدًا إن التجربة فشلت فشل ذريع من الناحية الأخلاقية، بس من الناحية التقنية تاي حققت بالظبط الغرض اللي هي معمولة علشانه وهو التفاعل مع مستخدمي تويتر وتطوير لغتها وسلوكها بناءً على التفاعل ده. وده إن دل فهو يدل على إن المشكلة ماكنتش في تاي وإنما فينا إحنا كمستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي.. أو فينا إحنا كجنس بشري. لو جبت طفل وقعدته مع مجرمين وقتالين قتلة وجيت أخدته بعد كام شهر، ماتستغربش لو لاقيته فتح عليك مطواة ولا شتمك بالأم. وده بالظبط اللي حصل مع تاي.
تجربة تاي كمان بتعيد تفكيرنا في المفهوم الشائع إن التكنولوجيا أو الآلة الذكية دي شريرة وهدفها القضاء على الإنسان الغلبان في حين إن حتى لو ده صح والآلة – بفضل الذكاء الاصطناعي – سعت لتدمير الإنسان فده لإن الإنسان أصلاً معفن ورمة وسلوكه غير سوي وهي أتعلمت منه كل شيء بما فيه العدوانية والقضاء على الفصائل الأخرى من أجل البقاء. وده يوضحلنا إن الإنسان مش في حرب مع التكنولوجيا زي ما أفلام هوليوود بتحب تصور، إنما الإنسان بيسخرها لمحاولة التغلب على العوائق المادية والعقلية اللي بتفرضها عليه إنسانيته.. علشان يبقى posthuman.
ال Posthumanism أو ما بعد الإنسانية هي حركة فلسفية فكرية ظهرت في أواخر القرن العشرين كنتاج طبيعي للتطور التكنولوجي السريع. بس الموضوع مش محدود بالتكنولوجيا بمفهومها الحالي فقط. وفقًا للفلسفة دي، الإنسان طول عمره وهو بيصبو إنه يكون posthuman أو يتخطى الحواجز اللي بتفرضها عليه إنسانيته وده اللي خلى الإنسان البدائي يخترع الأدوات واللي بعده العربيات… إلخ لحد ما وصلنا بالتكنولوجيا بصورتها الحالية.
فلسفة ما بعد الإنسانية بتطرح أسئلة زي: يعني إيه إنسانية أصلاُ؟ وليه الإنسان دايمًا بيحاول يتخطاها؟ والإنسان المعاصر المفروض يشوف نفسه إزاي في ظل تفاقم دور التكولوجيا في حياته؟ مثلاً الإنسان قبل مايكتشف الزجاج أو فكرة الانعكاس، فكرته عن نفسه كانت مختلفة عما بعد الاكتشاف. وده اللي بيحصل دلوقتي، مع كل تطور تكنولوجي جديد إدراكنا لنفسنا بيختلف عن قبل التطور ده.
المفروض يعني إن ده التعريف الأساسي لل posthumansim بس كحال أي حركة فكرية معاصرة خطوطها العريضة بتبقى هلامية شوية وبيبقى فيها تفرعات كتيرة. فيه ناس مثلاً شايفين إن ما بعد الإنسانية تعني فقط بمستقبل الإنسان مع التكنولوجيا وتحقيق فكرة الخلود من خلالها (التكنولوجيا). هم شايفين إن الإنسان أبتدى يتخلص من إنسانيته ويستبدلها بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي علشان يتحول لكائن خالد أو ل cyborg. وطبعًا الفكرة دي اللي بتثير لعاب هوليوود وكتاب الخيال العلمي. في فيلم Repo Men مثلاً الإنسان ممكن يستبدل أعضاءه الفاسدة\الضعيفة بأعضاء أخرى مصنعة، وفي حلقة من حلقات Black Mirror الوعي الإنساني بيمكن تحميله على ذاكرة خارجية علشان يفضل موجود للأبد وحتى بعد فناء جسد صاحبه.
وناس تانية شايفة إن هدف الفلسفة دي دراسة علاقة الإنسان بالذكاء الاصطناعي وإيه علاقته بالوعي الإنساني وتعقيده للمنظومة الأخلاقية القائم عليها الوعي الإنساني (شوفتوا Westworld؟) وبنبدأ نسأل نفسنا أسئلة زي هي الآلة الذكية دي واعية؟ طيب بتحس؟ هل ينطبق عليها المعايير الأخلاقية؟.. إلخ.
ويرى البعض إنها امتداد للفكر الديني. الإنسان زمان كان بيحلم بتجاوز إنسانيته بماديتها الضعيفة والمحدودة من خلال عبادة إله هيحقق له ده وهيخلصه من ماديته علشان يعيش للأبد، في حين إن الإنسان المعاصر استبدل الإله بالتكنولوجيا وبيحاول من خلالها يتخطى ماديته علشان يحقق الخلود.
أخيرًا، مش عارفة إذا كنا لسه بنسعى نبقى posthuman ولا إحنا فعلاً posthuman بس هو في الحالتين يبدو إن إنسانيتنا لسه عاملالنا أزمة، وده بيدل على لا محدودية الوجود الإنساني وإن التكنولوجيا هي ضحيتنا وليس العكس. إحنا آه كجنس بشري مش كاملين، بس سعينا للكمال هيكون السبب في تطورنا وفنائنا.
3 آراء حول “الإنسان وما بعد الإنسانية”